فصل: فصلٌ فِي الْجَوَارِحِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.فصلٌ فِي طَبْخِ الْعَصِيرِ:

وَالْأَصْلُ: أَنَّ مَا ذَهَبَ بِغَلَيَانِهِ بِالنَّارِ وَقَذَفَهُ الزَّبَدُ يُجْعَلُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَيُعْتَبَرُ ذَهَابُ ثُلُثَيْ مَا بَقِيَ لِيَحِلَّ الثُّلُثُ الْبَاقِي، بَيَانُهُ: عَشَرَةُ دَوَارِقَ مِنْ عَصِيرٍ طُبِخَ فَذَهَبَ دَوْرَقٌ بِالزَّبَدِ، يُطْبَخُ الْبَاقِي حَتَّى يَذْهَبَ سِتَّةُ دَوَارِقَ، وَيَبْقَى الثُّلُثُ فَيَحِلُّ، لِأَنَّ الَّذِي يَذْهَبُ زَبَدًا هُوَ الْعَصِيرُ أَوْ مَا يُمَازِجُهُ وَأَيًّا مَا كَانَ جُعِلَ كَأَنَّ الْعَصِيرَ تِسْعَةُ دَوَارِقَ فَيَكُونُ ثُلُثُهَا ثَلَاثَةً وَأَصْلٌ آخَرُ: أَنَّ الْعَصِيرَ إذَا صُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ قَبْلَ الطَّبْخِ، ثُمَّ طُبِخَ بِمَائِهِ إنْ كَانَ الْمَاءُ أَسْرَعَ ذَهَابًا لِرِقَّتِهِ وَلَطَافَتِهِ يُطْبَخُ الْبَاقِي بَعْدَ مَا ذَهَبَ مِقْدَارُ مَا صُبَّ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ، لِأَنَّ الذَّاهِبَ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَاءُ، وَالثَّانِيَ الْعَصِيرُ فَلَا بُدَّ مِنْ ذَهَابِ ثُلُثَيْ الْعَصِيرِ، وَإِنْ كَانَا يَذْهَبَانِ مَعًا تُغْلَى الْجُمْلَةُ مَتَى يَذْهَبُ ثُلُثَاهُ، وَيَبْقَى ثُلُثُهُ فَيَحِلُّ، لِأَنَّهُ ذَهَبَ الثُّلُثَانِ مَاءً وَعَصِيرًا وَالثُّلُثُ الْبَاقِي مَاءٌ وَعَصِيرٌ كَمَا إذَا صُبَّ الْمَاءُ فِيهِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ مِنْ الْعَصِيرِ بِالْغَلْيِ ثُلُثَاهُ، بَيَانُهُ: عَشَرَةُ دَوَارِقَ مِنْ عَصِيرٍ وَعِشْرُونَ دَوْرَقًا مِنْ مَاءٍ، فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يُطْبَخُ حَتَّى يَبْقَى تُسْعُ الْجُمْلَةِ، لِأَنَّهُ ثُلُثُ الْعَصِيرِ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي: حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَا الْجُمْلَةِ لِمَا قُلْنَا، وَالْغَلْيُ بِدَفْعَةٍ أَوْ دَفَعَاتٍ سَوَاءٌ إذَا حَصَلَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مُحَرَّمًا، وَلَوْ قَطَعَ عَنْهُ النَّارَ فَغَلَى حَتَّى ذَهَبَ الثُّلُثَانِ يَحِلُّ، لِأَنَّهُ أَثَرُ النَّارِ، وَأَصْلٌ آخَرُ: أَنَّ الْعَصِيرَ إذَا طُبِخَ فَذَهَبَ بَعْضُهُ ثُمَّ أُهْرِيقَ بَعْضُهُ كَمْ تَطْبُخُ الْبَقِيَّةَ حَتَّى يَذْهَبَ الثُّلُثَانِ؟ فَالسَّبِيلُ فِيهِ أَنْ تَأْخُذَ ثُلُثَ الْجَمِيعِ فَتَضْرِبَهُ فِي الْبَاقِي بَعْدَ الْمُنْصَبِّ، ثُمَّ تَقْسِمَهُ عَلَى مَا بَقِيَ بَعْدَ ذَهَابِ مَا ذَهَبَ بِالطَّبْخِ قَبْلَ أَنْ يَنْصَبَّ مِنْهُ شَيْءٌ فَمَا يَخْرُجُ بِالْقِسْمَةِ فَهُوَ حَلَالٌ، بَيَانُهُ: عَشَرَةُ أَرْطَالِ عَصِيرٍ طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ رِطْلٌ، ثُمَّ أُهْرِيقَ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَرْطَالٍ تَأْخُذُ ثُلُثَ الْعَصِيرِ كُلَّهُ، وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ وَتَضْرِبُهُ فِيمَا بَقِيَ بَعْدَ الْمُنَصَّبِ، وَهُوَ سِتَّةٌ فَيَكُونُ عِشْرِينَ، ثُمَّ تُقَسِّمُ الْعِشْرِينَ عَلَى مَا بَقِيَ بَعْدَ مَا ذَهَبَ بِالطَّبْخِ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَبَّ مِنْهُ شَيْءٌ وَذَلِكَ تِسْعَةٌ، فَيَخْرُجُ لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ ذَلِكَ اثْنَانِ وَتُسْعَانِ فَعَرَفْتَ أَنَّ الْحَلَالَ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ رِطْلَانِ وَتُسْعَانِ، وَعَلَى هَذَا تُخَرَّجُ الْمَسَائِلُ وَلَهَا طَرِيقٌ آخَرُ وَفِيمَا اكْتَفَيْنَا بِهِ كِفَايَةٌ وَهِدَايَةٌ إلَى تَخْرِيجِ غَيْرِهَا مِنْ الْمَسَائِلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

.كِتَابُ الصَّيْدِ:

الصَّيْدُ: الِاصْطِيَادُ وَيُطْلَقُ عَلَى مَا يُصَادُ وَالْفِعْلُ مُبَاحٌ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} وَلِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَك الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ فَلَا تَأْكُلْ، لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ شَارَكَ كَلْبَكَ كَلْبٌ آخَرُ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّك إنَّمَا سَمَّيْت عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبِ غَيْرِك» وَعَلَى إبَاحَتِهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ، وَلِأَنَّهُ نَوْعُ اكْتِسَابٍ وَانْتِفَاعٍ بِمَا هُوَ مَخْلُوقٌ لِذَلِكَ وَفِيهِ اسْتِيفَاءُ الْمُكَلَّفِ وَتَمْكِينُهُ مِنْ إقَامَةِ التَّكَالِيفِ، فَكَانَ مُبَاحًا بِمَنْزِلَةِ الِاحْتِطَابِ، ثُمَّ جُمْلَةُ مَا يَحْوِيهِ الْكِتَابُ فَصْلَانِ أَحَدُهُمَا فِي الصَّيْدِ بِالْجَوَارِحِ، وَالثَّانِي فِي الِاصْطِيَادِ بِالرَّمْيِ.
الشرح:
كِتَابُ الصَّيْدِ:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: «قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَك الْمُعَلَّمَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَكُلْ، وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ فَلَا تَأْكُلْ، لِأَنَّهُ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ شَارَكَ كَلْبَك كَلْبٌ آخَرَ، فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّكَ إنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِك، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبِ غَيْرِك».
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنْهُ: «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرْسِلُ كَلْبِي، وَأُسَمِّي، فَقَالَ: إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَك وَسَمَّيْتَ، فَأَخَذَ فَقَتَلَ فَكُلْ، فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ، فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ.
قُلْت: إنِّي أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ، مَعَهُ آخَرَ، لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا أَخَذَهُ، فَقَالَ: لَا تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِك، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبٍ آخَرَ»
، انْتَهَى.
أَحَادِيثُ الْخُصُومِ: اُسْتُدِلَّ لِمَالِكٍ فِي إبَاحَةِ مَا أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ بِحَدِيثَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ دَاوُد بْنِ عَمْرٍو الدِّمَشْقِيِّ عَنْ بِشْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَيْدِ الْكَلْبِ: إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ، فَكُلْ، وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ، وَكُلْ مَا رَدَّتْ عَلَيْك يَدُك»، انْتَهَى.
قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لَهُ: أَبُو ثَعْلَبَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي كِلَابًا مُكَلَّبَةً، فَأَفْتِنِي فِي صَيْدِهَا، فَقَالَ: إنْ كَانَتْ لَك كِلَابٌ مُكَلَّبَةٌ، فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْك، قَالَ: ذَكِيٌّ، وَغَيْرُ ذَكِيٍّ؟ قَالَ: ذَكِيٌّ، وَغَيْرُ ذَكِيٍّ، قَالَ: وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ؟ قَالَ: وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنِي فِي قَوْسِي، قَالَ: كُلْ مَا رَدَّ عَلَيْك قَوْسُك، قَالَ: ذَكِيٌّ، وَغَيْرُ ذَكِيٍّ؟ قَالَ: ذَكِيٌّ، وَغَيْرُ ذَكِيٍّ، قَالَ: وَإِنْ تَغَيَّبَ عَنِّي؟ قَالَ: وَإِنْ تَغَيَّبَ عَنْك مَا لَمْ يَصِلْ، أَوْ تَجِدْ فِيهِ أَثَرًا غَيْرَ سَهْمِك»، انْتَهَى.
قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، قَالَ: وَقَدْ يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّهُ عَلَّلَ التَّحْرِيمَ فِي حَدِيثِ عَدِيٍّ بِكَوْنِهِ أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَفِي حَدِيثِ دَاوُد، وَعُمَرَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَبَاحَهُ لِكَوْنِهِ أَكَلَ مِنْهُ بَعْدَ انْصِرَافِهِ، انْتَهَى.
قُلْت: يُعَكَّرُ هَذَا بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ فِي تَرْجَمَةِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الدَّهَّانِ ثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذَا أَدْرَكْت كَلْبَك، وَقَدْ أَكَلَ نِصْفَهُ فَكُلْ»، انْتَهَى.
وقَالَ: غَرِيبٌ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْ الْفُضَيْلِ عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، وَالصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ: «وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ، فَلَا تَأْكُلْ»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ لِأَحْمَدَ فِي تَحْرِيمِهِ أَكْلَ صَيْدِ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ، لَأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا، فَاقْتُلُوا مِنْهَا الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ»، انْتَهَى.
وصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: قَالَ أَحْمَدُ: الْحَسَنُ سَمِعَ مِنْ ابْنِ الْمُغَفَّلِ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: فَأَمْرُهُ بِقَتْلِهِ، نَهْيٌ عَنْ إمْسَاكِهِ وَالِاصْطِيَادِ بِهِ. انْتَهَى.
وقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَحَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ مُخْرَجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْأَكْلِ، وَحَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ إذَا أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ، فَلَا تَأْكُلْ، أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ دَاوُد، وَحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، انْتَهَى.

.فصلٌ فِي الْجَوَارِحِ:

قَالَ: (وَيَجُوزُ الِاصْطِيَادُ بِالْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ وَالْفَهْدِ وَالْبَازِي وَسَائِرِ الْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَكُلُّ شَيْءٍ عَلَّمْتَهُ مِنْ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ فَلَا بَأْسَ بِصَيْدِهِ وَلَا خَيْرَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ تُدْرِكَ ذَكَاتَهُ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: «وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ» وَالْجَوَارِحُ الْكَوَاسِبُ قَالَ فِي تَأْوِيلِ الْمُكَلِّبِينَ الْمُسَلَّطِينَ، فَيَتَنَاوَلُ الْكُلَّ بِعُمُومِهِ، دَلَّ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عَدِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَاسْمُ الْكَلْبِ فِي اللُّغَةِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ سَبُعٍ حَتَّى الْأَسَدِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْأَسَدَ وَالدُّبَّ، لِأَنَّهُمَا لَا يَعْمَلَانِ لِغَيْرِهِمَا، الْأَسَدُ لِعُلُوِّ هِمَّتِهِ وَالدُّبُّ لِخَسَاسَتِهِ، وَأَلْحَقَ بِهِمَا بَعْضُهُمْ الْحِدَأَةَ لِخَسَاسَتِهِ، وَالْخِنْزِيرُ مُسْتَثْنًى، لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ التَّعْلِيمِ، لِأَنَّ مَا تَلَوْنَا مِنْ النَّصِّ يَنْطِقُ بِاشْتِرَاطِ التَّعْلِيمِ وَالْحَدِيثُ بِهِ وَبِالْإِرْسَالِ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ آلَةً بِالتَّعْلِيمِ لِيَكُونَ عَامِلًا لَهُ فَيَتَرَسَّلُ بِإِرْسَالِهِ وَيُمْسِكُهُ عَلَيْهِ.
الشرح:
فصلٌ فِي الْجَوَارِحِ:
قَالَ: (وَتَعْلِيمُ الْكَلْبِ أَنْ يَتْرُكَ الْأَكْلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَتَعْلِيمُ الْبَازِي أَنْ يَرْجِعَ وَيُجِيبَ إذَا دَعَوْتَهُ) وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَلِأَنَّ بَدَنَ الْبَازِي لَا يَحْتَمِلُ الضَّرْبَ، وَبَدَنُ الْكَلْبِ يَحْتَمِلُهُ فَيُضْرَبُ لِيَتْرُكَهُ وَلِأَنَّ آيَةَ التَّعْلِيمِ تَرْكُ مَا هُوَ مَأْلُوفُهُ عَادَةً، وَالْبَازِي مُتَوَحِّشٌ مُتَنَفِّرٌ فَكَانَتْ الْإِجَابَةُ آيَةَ تَعْلِيمِهِ، وَأَمَّا الْكَلْبُ فَهُوَ أَلُوفٌ يَعْتَادُ الِانْتِهَابَ فَكَانَ آيَةَ تَعْلِيمِهِ تَرْكُ مَأْلُوفِهِ، وَهُوَ الْأَكْلُ وَالِاسْتِلَابُ، ثُمَّ شُرِطَ تَرْكُ الْأَكْلِ ثَلَاثًا، وَهَذَا عِنْدَهُمَا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّ فِيمَا دُونَهُ مَزِيدَ الِاحْتِمَالِ فَلَعَلَّهُ تَرَكَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ شِبَعًا، فَإِذَا تَرَكَهُ ثَلَاثًا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ صَارَ عَادَةً لَهُ، وَهَذَا، لِأَنَّ الثَّلَاثَ مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِلِاخْتِبَارِ وَإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ كَمَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَفِي بَعْضِ قِصَصِ الْأَخْيَارِ، وَلِأَنَّ الْكَثِيرَ هُوَ الَّذِي يَقَعُ أَمَارَةً عَلَى الْعِلْمِ دُونَ الْقَلِيلِ، وَالْجَمْعُ هُوَ الْكَثِيرُ وَأَدْنَاهُ الثَّلَاثُ فَقُدِّرَ بِهَا.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ لَا يَثْبُتُ التَّعْلِيمُ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّ الصَّائِدِ أَنَّهُ مُعَلَّمٌ، وَلَا يُقَدَّرُ بِالثَّلَاثِ، لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا تُعْرَفُ اجْتِهَادًا بَلْ نَصًّا وَسَمَاعًا وَلَا سُمِعَ فَيُفَوَّضُ إلَى رَأْي الْمُبْتَلَى بِهِ كَمَا هُوَ أَصْلُهُ فِي جِنْسِهَا، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى عِنْدَهُ: يَحِلُّ مَا اصْطَادَهُ ثَالِثًا.
وَعِنْدَهُمَا: لَا يَحِلُّ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مُعَلَّمًا بَعْدَ تَمَامِ الثَّلَاثِ، وَقَبْلَ التَّعْلِيمِ غَيْرُ مُعَلَّمٍ فَكَانَ الثَّالِثُ صَيْدَ كَلْبٍ جَاهِلٍ، وَصَارَ كَالتَّصَرُّفِ الْمُبَاشِرِ فِي سُكُوتِ الْمَوْلَى، وَلَهُ: أَنَّهُ آيَةُ تَعْلِيمِهِ عِنْدَهُ فَكَانَ هَذَا صَيْدَ جَارِحَةٍ مُعَلَّمَةٍ بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، لِأَنَّ الْإِذْنَ إعْلَامٌ وَلَا يَتَحَقَّقُ دُونَ عِلْمِ الْعَبْدِ وَذَلِكَ بَعْدَ الْمُبَاشَرَةِ.
الشرح:
قَوْلُهُ: وَتَعْلِيمُ الْكَلْبِ أَنْ يَتْرُكَ الْأَكْلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَتَعْلِيمُ الْبَازِي أَنْ يَرْجِعَ، وَيُجِيبَ إذَا دَعَوْتَهُ، وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قُلْت: غَرِيبٌ، وَفِي الْبُخَارِيِّ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنْ أَكَلَ الْكَلْبُ فَقَدْ أَفْسَدَهُ، إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ} فَيُضْرَبُ وَيُعَلَّمُ، حَتَّى يَتْرُكَ، انْتَهَى.
وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٌ ثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الطَّيْرِ: إذَا أَرْسَلْته، فَقَتَلَ، فَكُلْ، فَإِنَّ الْكَلْبَ إذَا ضَرَبْته لَمْ يَعُدْ، فَإِنَّ تَعْلِيمَ الطَّيْرِ أَنْ يَرْجِعَ إلَى صَاحِبِهِ، وَلَيْسَ يُضْرَبُ، فَإِذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ وَنَتَفَ الرِّيشَ، فَكُلْ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ الْمُبِيحُ وَالْمُحَرِّمُ، فَتَغْلِبُ جِهَةُ الْحُرْمَةِ نَصَّا، أَوْ احْتِيَاطًا.
قُلْت: كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ: «مَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، إلَّا وَغَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ»، وَهَذَا الْحَدِيثُ وَجَدْتُهُ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ فِي الطَّلَاقِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ مَا اجْتَمَعَ حَلَالٌ وَحَرَامٌ، إلَّا غَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ، قَالَ سُفْيَانُ: وَذَلِكَ فِي الرَّجُلِ يَفْجُرُ بِامْرَأَةٍ، وَعِنْدَهُ ابْنَتُهَا أَوْ أُمُّهَا، فَإِنَّهُ يُفَارِقُهَا. انْتَهَى.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ: رَوَاهُ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَابِرٌ ضَعِيفٌ، وَالشَّعْبِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مُنْقَطِعٌ، انْتَهَى.
قَالَ: (وَإِذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ الْمُعَلَّمَ أَوْ بَازِيَهُ وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ إرْسَالِهِ فَأَخَذَ الصَّيْدَ وَجَرَحَهُ فَمَاتَ حَلَّ أَكْلُهُ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثٍ عَدِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَلِأَنَّ الْكَلْبَ أَوْ الْبَازِيَ آلَةٌ، وَالذَّبْحُ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْآلَةِ إلَّا بِالِاسْتِعْمَالِ وَذَلِكَ فِيهِمَا بِالْإِرْسَالِ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الرَّمْيِ وَإِمْرَارِ السِّكِّينِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّسْمِيَةِ عِنْدَهُ، وَلَوْ تَرَكَهُ نَاسِيًا حَلَّ أَيْضًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَحُرْمَةُ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا فِي الذَّبَائِحِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْجُرْحِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، لِيَتَحَقَّقَ الذَّكَاةُ الِاضْطِرَارِيُّ وَهُوَ الْجُرْحُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ الْبَدَنِ بِانْتِسَابِ مَا وُجِدَ مِنْ الْآلَةِ إلَيْهِ بِالِاسْتِعْمَالِ، وَفِي ظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ} مَا يُشِيرُ إلَى اشْتِرَاطِ الْجُرْحِ، إذْ هُوَ مِنْ الْجُرْحِ بِمَعْنَى الْجِرَاحَةِ فِي تَأْوِيلٍ فَيُحْمَلُ عَلَى الْجَارِحِ الْكَاسِبِ بِنَابِهِ وَمِخْلَبِهِ، وَلَا تَنَافِيَ، وَفِيهِ أَخْذٌ بِالْيَقِينِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رُجُوعًا إلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ، وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا.
قَالَ: (فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ أَوْ الْفَهْدُ لَمْ يُؤْكَلْ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْبَازِي أُكِلَ) وَالْفَرْقُ مَا بَيَّنَّاهُ فِي دَلَالَةِ التَّعْلِيمِ وَهُوَ مُؤَيَّدٌ بِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عَدِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ وَعَلَى الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ فِي إبَاحَةِ مَا أَكَلَ الْكَلْبُ مِنْهُ.
قَالَ: (وَلَوْ أَنَّهُ صَادَ صُيُودًا، وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا ثُمَّ أُكِلَ مِنْ صَيْدٍ لَا يُؤْكَلُ هَذَا الصَّيْدُ)، لِأَنَّهُ عَلَامَةُ الْجَهْلِ، وَلَا مَا يَصِيدُهُ بَعْدَهُ حَتَّى يَصِيرَ مُعَلَّمًا عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ كَمَا بَيَّنَّاهَا فِي الِابْتِدَاءِ، وَأَمَّا الصُّيُودُ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ قَبْلُ فَمَا أَكَلَ مِنْهَا لَا تَظْهَرُ الْحُرْمَةُ فِيهِ لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ، وَمَا لَيْسَ بِمُحْرَزٍ بِأَنْ كَانَ فِي الْمَفَازَةِ بِأَنْ لَمْ يَظْفَرْ صَاحِبُهُ بَعْدُ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ وَمَا هُوَ مُحْرَزٌ فِي بَيْتِهِ يَحْرُمُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، هُمَا يَقُولَانِ: إنَّ الْأَكْلَ لَيْسَ يَدُلُّ عَلَى الْجَهْلِ فِيمَا تَقَدَّمَ، لِأَنَّهُ الْحِرْفَةُ قَدْ تُنْسَى، وَلِأَنَّ فِيمَا أَحْرَزَهُ قَدْ أُمْضِيَ الْحُكْمُ فِيهِ بِالِاجْتِهَادِ فَلَا يُنْقَضُ بِاجْتِهَادٍ مِثْلِهِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ حَصَلَ بِالْأَوَّلِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُحْرَزِ، لِأَنَّهُ مَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِبَقَائِهِ صَيْدًا مِنْ وَجْهٍ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ فَحَرَّمْنَاهُ احْتِيَاطًا، وَلَهُ أَنَّهُ آيَةُ جَهْلِهِ مِنْ الِابْتِدَاءِ، لِأَنَّ الْحِرْفَةَ لَا يُنْسَى أَصْلُهَا، فَإِذَا أَكَلَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ تَرَكَ الْأَكْلَ لِلشِّبَعِ لَا لِلْعِلْمِ وَتَبَدَّلَ الِاجْتِهَادُ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ، لِأَنَّهُ بِالْأَكْلِ فَصَارَ كَتَبَدُّلِ اجْتِهَادِ الْقَاضِي قَبْلَ الْقَضَاءِ.
قَالَ: (وَلَوْ أَنَّ صَقْرًا فَرَّ مِنْ صَاحِبِهِ فَمَكَثَ حِينًا ثُمَّ صَادَ لَا يُؤْكَلُ صَيْدُهُ)، لِأَنَّهُ تَرَكَ مَا صَارَ بِهِ عَالِمًا فَيُحْكَمُ بِجَهْلِهِ كَالْكَلْبِ إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ.
قَالَ: (وَلَوْ شَرِبَ الْكَلْبُ مِنْ دَمِ الصَّيْدِ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ أُكِلَ)، لِأَنَّهُ مُمْسِكٌ لِلصَّيْدِ عَلَيْهِ، وَهَذَا مِنْ غَايَةِ عِلْمِهِ حَيْثُ شَرِبَ مَا لَا يَصْلُحُ لِصَاحِبِهِ وَأَمْسَكَ عَلَيْهِ مَا يَصْلُحُ لَهُ.
قَالَ: (وَلَوْ أَخَذَ الصَّيْدَ مِنْ الْمُعَلَّمِ ثُمَّ قَطَعَ مِنْهُ قِطْعَةً وَأَلْقَاهَا إلَيْهِ فَأَكَلَهَا يُؤْكَلُ مَا بَقِيَ)، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ صَيْدًا فَصَارَ كَمَا إذَا أَلْقَى إلَيْهِ طَعَامًا غَيْرَهُ، وَكَذَا إذَا وَثَبَ الْكَلْبُ فَأَخَذَهُ مِنْهُ وَأَكَلَ مِنْهُ، لِأَنَّهُ مَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ، وَالشَّرْطُ تَرْكُ الْأَكْلِ مِنْ الصَّيْدِ، فَصَارَ كَمَا إذَا افْتَرَسَ شَاتَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِزَهُ الْمَالِكُ، لِأَنَّهُ بَقِيَتْ فِيهِ جِهَةُ الصَّيْدِيَّةِ.
قَالَ: (وَلَوْ نَهَسَ الصَّيْدَ فَقَطَعَ مِنْهُ بِضْعَةً فَأَكَلَهَا ثُمَّ أَدْرَكَ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ لَمْ يُؤْكَلْ)، لِأَنَّهُ صَيْدُ كَلْبٍ جَاهِلٍ حَيْثُ أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ.
قَالَ: (وَلَوْ أَلْقَى مَا نَهَسَهُ وَاتَّبَعَ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ وَأَخَذَهُ صَاحِبُهُ ثُمَّ مَرَّ بِتِلْكَ الْبِضْعَةِ فَأَكَلَهَا يُؤْكَلُ الصَّيْدُ)، لِأَنَّهُ لَوْ أَكَلَ مِنْ نَفْسِ الصَّيْدِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمَا يَضُرُّهُ، فَإِذَا أَكَلَ مَا بَانَ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لِصَاحِبِهِ أَوْلَى، بِخِلَافِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ أَكَلَ فِي حَالَةِ الِاصْطِيَادِ، فَكَانَ جَاهِلًا مُمْسِكًا لِنَفْسِهِ، وَلِأَنَّ نَهْسَ الْبِضْعَةِ قَدْ يَكُونُ لِيَأْكُلَهَا وَقَدْ يَكُونُ حِيلَةً فِي الِاصْطِيَادِ لِيَضْعُفَ بِقَطْعِ الْقِطْعَةِ مِنْهُ فَيُدْرِكَهُ فَالْأَكْلُ قَبْلَ الْأَخْذِ يَدُلُّ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَبَعْدَهُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فَلَا يَدُلُّ عَلَى جَهْلِهِ.
قَالَ: (وَإِنْ أَدْرَكَ الْمُرْسِلُ الصَّيْدَ حَيًّا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُذَكِّيَهُ، وَإِنْ تَرَكَ تَذْكِيَتَهُ حَتَّى مَاتَ لَمْ يُؤْكَلْ، وَكَذَا الْبَازِي وَالسَّهْمُ)، لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ، إذْ الْمَقْصُودُ هُوَ الْإِبَاحَةُ وَلَمْ تَثْبُتْ قَبْلَ مَوْتِهِ فَبَطَلَ حُكْمُ الْبَدَلِ، وَهَذَا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهِ، أَمَّا إذَا وَقَعَ فِي يَدِهِ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ وَفِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ فَوْقَ مَا يَكُونُ فِي الْمَذْبُوحِ لَمْ يُؤْكَلْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: أَنَّهُ يَحِلُّ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَصْلِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَأَى الْمَاءَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ، وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ قَدَرَ اعْتِبَارًا، لِأَنَّهُ ثَبَّتَ يَدَهُ عَلَى الْمُذْبَحِ، وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ التَّمَكُّنِ مِنْ الذَّبْحِ، إذْ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُدَّةٍ، وَالنَّاسُ يَتَفَاوَتُونَ فِيهَا عَلَى حَسَبِ تَفَاوُتِهِمْ فِي الْكِيَاسَةِ وَالْهِدَايَةِ فِي أَمْرِ الذَّبْحِ فَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَقِيَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ مِثْلُ مَا يَبْقَى فِي الْمَذْبُوحِ، لِأَنَّهُ مَيِّتٌ حُكْمًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ وَهُوَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَحْرُمْ، كَمَا إذَا وَقَعَ وَهُوَ مَيِّتٌ، وَالْمَيِّتُ لَيْسَ بِمُذْبَحٍ، وَفَصَّلَ بَعْضُهُمْ فِيهِ تَفْصِيلًا، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ لِفَقْدِ الْآلَةِ لَمْ يُؤْكَلْ، وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ لِضِيقِ الْوَقْتِ لَمْ يُؤْكَلْ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي يَدِهِ لَمْ يَبْقَ صَيْدًا فَبَطَلَ حُكْمُ ذَكَاةِ الِاضْطِرَارِ، وَهَذَا إذَا كَانَ يُتَوَهَّمُ بَقَاؤُهُ، أَمَّا إذَا شَقَّ بَطْنَهُ وَأَخْرَجَ مَا فِيهِ ثُمَّ وَقَعَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ حَلَّ، لِأَنَّ مَا بَقِيَ اضْطِرَابُ الْمَذْبُوحِ، فَلَا يُعْتَبَرُ كَمَا إذَا وَقَعَتْ شَاةٌ فِي الْمَاءِ بَعْدَ مَا ذُبِحَتْ، وَقِيلَ: هَذَا قَوْلُهُمَا، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَلَا يُؤْكَلُ أَيْضًا، لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي يَدِهِ حَيًّا فَلَا يَحِلُّ إلَّا بِذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ رَدًّا إلَى الْمُتَرَدِّيَةِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إذَا تَرَكَ التَّذْكِيَةَ، فَلَوْ أَنَّهُ ذَكَّاهُ حَلَّ أَكْلُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَكَذَا الْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَاَلَّذِي بَقَرَ الذِّئْبُ بَطْنَهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ خَفِيَّةٌ أَوْ بَيِّنَةٌ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} اسْتِثْنَاءً مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: إذَا كَانَ بِحَالٍ لَا يَعِيشُ مِثْلُهُ لَا يَحِلُّ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْتُهُ بِالذَّبْحِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: إنْ كَانَ يَعِيشُ مِثْلُهُ فَوْقَ مَا يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ يَحِلُّ وَإِلَّا فَلَا، لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِهَذِهِ الْحَيَاةِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ.
قَالَ: (وَلَوْ أَدْرَكَهُ وَلَمْ يَأْخُذْهُ فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ لَوْ أَخَذَهُ أَمْكَنَهُ ذَبْحُهُ لَمْ يُؤْكَلْ)، لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ.
قَالَ: (وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ ذَبْحُهُ أُكِلَ)، لِأَنَّ الْيَدَ لَمْ تَثْبُتْ بِهِ وَالتَّمَكُّنُ مِنْ الذَّبْحِ لَمْ يُوجَدْ.
قَالَ: (وَإِنْ أَدْرَكَهُ فَذَكَّاهُ حَلَّ لَهُ)، لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَالذَّكَاةُ وَقَعَتْ مَوْقِعَهَا بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: ذَكَاتُهُ الذَّبْحُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَدْ وُجِدَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الذَّبْحِ.
قَالَ: (وَإِذَا أَرْسَلَ كَلْبَهُ الْمُعَلَّمَ عَلَى صَيْدٍ، وَأَخَذَ غَيْرَهُ حَلَّ).
وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَحِلُّ، لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ إرْسَالٍ، إذْ الْإِرْسَالُ مُخْتَصٌّ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ، وَلَنَا أَنَّهُ شَرْطٌ غَيْرُ مُفِيدٍ، لِأَنَّ مَقْصُودَهُ حُصُولُ الصَّيْدِ، إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ، إذْ لَا يُمْكِنُهُ تَعْلِيمُهُ عَلَى وَجْهٍ بِأَخْذِ مَا عَيَّنَهُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ.
قَالَ: (وَلَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ كَثِيرٍ وَسَمَّى مَرَّةً وَاحِدَةً حَالَةَ الْإِرْسَالِ، فَلَوْ قَتَلَ الْكُلَّ يَحِلُّ بِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ الْوَاحِدَةِ)، لِأَنَّ الذَّبْحَ يَقَعُ بِالْإِرْسَالِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَلِهَذَا تُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ عِنْدَهُ وَالْفِعْلُ وَاحِدٌ فَتَكْفِيهِ تَسْمِيَةٌ وَاحِدَةٌ، بِخِلَافِ ذَبْحِ الشَّاتَيْنِ بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تَصِيرُ مَذْبُوحَةً بِفِعْلٍ غَيْرِ الْأَوَّلِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةٍ أُخْرَى حَتَّى لَوْ أَضْجَعَ إحْدَاهُمَا فَوْقَ الْأُخْرَى، وَذَبَحَهُمَا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ تَحِلَّانِ بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ.
قَالَ: (وَمَنْ أَرْسَلَ فَهْدًا فَكَمَنْ حَتَّى يَسْتَمْكِنَ ثُمَّ أَخَذَ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ يُؤْكَلُ)، لِأَنَّ مُكْثَهُ ذَلِكَ حِيلَةٌ مِنْهُ لِلصَّيْدِ لَا اسْتِرَاحَةٌ فَلَا يَقْطَعُ الْإِرْسَالَ.
قَالَ: (وَكَذَا الْكَلْبُ إذَا اعْتَادَ عَادَتَهُ وَلَوْ أَخَذَ الْكَلْبُ صَيْدًا فَقَتَلَهُ ثُمَّ أَخَذَ آخَرَ فَقَتَلَهُ وَقَدْ أَرْسَلَهُ صَاحِبُهُ أُكِلَا جَمِيعًا) لِأَنَّ الْإِرْسَالَ قَائِمٌ لَمْ يَنْقَطِعْ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ رَمَى سَهْمًا إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَهُ وَأَصَابَ آخَرَ.
قَالَ: (وَلَوْ قَتَلَ الْأَوَّلَ فَجَثَمَ عَلَيْهِ طَوِيلًا مِنْ النَّهَارِ ثُمَّ مَرَّ بِهِ صَيْدٌ آخَرُ فَقَتَلَهُ لَا يُؤْكَلُ الثَّانِي) لِانْقِطَاعِ الْإِرْسَالِ بِمُكْثِهِ إذْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حِيلَةً مِنْهُ لِلْأَخْذِ وَإِنَّمَا كَانَ اسْتِرَاحَةً بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ.
قَالَ: (وَلَوْ أَرْسَلَ بَازِيَهُ الْمُعَلَّمَ عَلَى صَيْدٍ فَوَقَعَ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ اتَّبَعَ الصَّيْدَ فَأَخَذَهُ وَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ) وَهَذَا إذَا لَمْ يَمْكُثْ زَمَانًا طَوِيلًا لِلِاسْتِرَاحَةِ وَإِنَّمَا مَكَثَ سَاعَةً لِلتَّمْكِينِ لِمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْكَلْبِ.
قَالَ: (وَلَوْ أَنَّ بَازِيًا مُعَلَّمًا أَخَذَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ وَلَا يَدْرِي أَرْسَلَهُ إنْسَانٌ أَمْ لَا، لَا يُؤْكَلُ) لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي الْإِرْسَالِ وَلَا تَثْبُتُ الْإِبَاحَةُ بِدُونِهِ.
قَالَ: (وَإِنْ خَنَقَهُ الْكَلْبُ وَلَمْ يَجْرَحْهُ لَمْ يُؤْكَلْ)، لِأَنَّ الْجُرْحَ شَرْطٌ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بِالْكَسْرِ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهُ إذَا كَسَرَ عُضْوًا فَقَتَلَهُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ، لِأَنَّهُ جِرَاحَةٌ بَاطِنَةٌ فَهِيَ كَالْجِرَاحَةِ الظَّاهِرَةِ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ جُرْحٌ يَنْتَهِضُ سَبَبًا لِإِنْهَارِ الدَّمِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالْكَسْرِ فَأَشْبَهَ التَّخْنِيقَ.
قَالَ: (وَإِنْ شَارَكَهُ كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ أَوْ كَلْبُ مَجُوسِيٍّ أَوْ كَلْبٌ لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ يُرِيدُ بِهِ عَمْدًا لَمْ يُؤْكَلْ) لِمَا رَوَيْنَا فِي حَدِيثِ عَدِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ الْمُبِيحُ وَالْمُحَرِّمُ فَيَغْلِبُ جِهَةُ الْحُرْمَةِ نَصَّا أَوْ احْتِيَاطًا.
(وَلَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ الْكَلْبُ الثَّانِي وَلَمْ يَجْرَحْهُ مَعَهُ وَمَاتَ بِجُرْحِ الْأَوَّلِ يُكْرَهُ أَكْلُهُ) لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ فِي الْأَخْذِ وَفَقْدِهَا فِي الْجُرْحِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهُ الْمَجُوسِيُّ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ حَيْثُ لَا يُكْرَهُ، لِأَنَّ فِعْلَ الْمَجُوسِيِّ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ فِعْلِ الْكَلْبِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُشَارَكَةُ وَتَتَحَقَّقُ بَيْنَ فِعْلَيْ الْكَلْبَيْنِ لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ.
(وَلَوْ لَمْ يَرُدَّهُ الْكَلْبُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ أَشَدَّ عَلَى الْأَوَّلِ حَتَّى اشْتَدَّ عَلَى الصَّيْدِ فَأَخَذَهُ وَقَتَلَهُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ)، لِأَنَّ فِعْلَ الثَّانِي أَثَّرَ فِي الْكَلْبِ الْمُرْسَلِ دُونَ الصَّيْدِ حَيْثُ ازْدَادَ بِهِ طَلَبًا فَكَانَ تَبَعًا لِفِعْلِهِ، لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَيْهِ فَلَا يُضَافُ الْأَخْذُ إلَى التَّبَعِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ رَدَّهُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ تَبَعًا فَيُضَافُ إلَيْهِمَا.
قَالَ: (وَإِذَا أَرْسَلَ الْمُسْلِمُ كَلْبَهُ فَزَجَرَهُ مَجُوسِيٌّ فَانْزَجَرَ بِزَجْرِهِ فَلَا بَأْسَ بِصَيْدِهِ) وَالْمُرَادُ بِالزَّجْرِ الْإِغْرَاءُ بِالصِّيَاحِ عَلَيْهِ، وَبِالِانْزِجَارِ إظْهَارُ زِيَادَةِ الطَّلَبِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْفِعْلَ يُرْفَعُ بِمَا هُوَ فَوْقَهُ أَوْ مِثْلُهُ كَمَا فِي نَسْخِ الْآيِ، وَالزَّجْرُ دُونَ الْإِرْسَالِ لِكَوْنِهِ بِنَاءً عَلَيْهِ.
قَالَ: (وَلَوْ أَرْسَلَهُ مَجُوسِيٌّ فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ فَانْزَجَرَ بِزَجْرِهِ لَمْ يُؤْكَلْ)، لِأَنَّ الزَّجْرَ دُونَ الْإِرْسَالِ، وَلِهَذَا لَمْ تَثْبُتْ بِهِ شُبْهَةُ الْحُرْمَةِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَثْبُتَ بِهِ الْحِلُّ، وَكُلُّ مَنْ لَا تَجُوزُ ذَكَاتُهُ كَالْمُرْتَدِّ وَالْمُحْرِمِ، وَتَارِكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمَجُوسِيِّ.
(وَإِنْ لَمْ يُرْسِلْهُ أَحَدٌ فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ فَانْزَجَرَ فَأَخَذَ الصَّيْدَ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ)، لِأَنَّ الزَّجْرَ مِثْلُ الِانْفِلَاتِ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ دُونَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بِنَاءٌ عَلَيْهِ فَهُوَ فَوْقَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ فَاسْتَوَيَا فَصَلُحَ نَاسِخًا.
(وَلَوْ أَرْسَلَ الْمُسْلِمُ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ وَسَمَّى فَأَدْرَكَهُ فَضَرَبَهُ وَوَقَذَهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ أُكِلَ، وَكَذَا إذَا أَرْسَلَ كَلْبَيْنِ فَوَقَذَهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ قَتَلَهُ الْآخَرُ أُكِلَ)، لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْ الْجُرْحِ بَعْدَ الْجُرْحِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ التَّعْلِيمِ فَجُعِلَ عَفْوًا (وَلَوْ أَرْسَلَ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَلْبًا فَوَقَذَهُ أَحَدُهُمَا وَقَتَلَهُ الْآخَرُ أُكِلَ) لِمَا بَيَّنَّا.
(وَالْمِلْكُ لِلْأَوَّلِ)، لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَخْرَجَهُ عَنْ حَدِّ الصَّيْدِيَّةِ إلَّا أَنَّ الْإِرْسَالَ مِنْ الثَّانِي حَصَلَ عَلَى الصَّيْدِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْإِبَاحَةِ حَالَةُ الْإِرْسَالِ فَلَمْ يَحْرُمْ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْإِرْسَالُ مِنْ الثَّانِي بَعْدَ الْخُرُوجِ عَنْ الصَّيْدِيَّةِ بِجُرْحِ الْكَلْبِ الْأَوَّلِ.